وصول الاخوات من مدينة مالمو البرنامج يبدأ ٢٦-١٢-٢٠٢٤ ميلادي
25 February 2021
أسرار وليد الكعبة أسد الله الغالب عليَّ بن أبي طالب عليه السلام :
كيفيّة ولادته
وصف الرواة كيفيّة ولادة إمام المتّقين فقالوا : إنّ والدته السيّدة الزكية فاطمة لمّا أحسّت بالطلق نهضت وهي مبهورة الأنفاس ، فاتّجهت صوب الكعبة المقدّسة ، وهي على يقين لا يخامره شكّ أن لحملها شأناً كبيراً عند الله تعالى ، ولمّا مثلت أمام الكعبة اتّجهت بعواطفها نحو الله تعالى ، وأخذت تناجيه وتدعوه أن ييسّر لها ولادتها ، وتعلّقت بأستار الكعبة قائلة :
« ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل ... وانّه بنى البيت العتيق ، فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني لمّا يسّرت عليّ ولادتي ... » (۳).
وحكت هذه الكلمات إيمانها العميق بالله تعالى وبرسله وكتبه وبما جاء من عنده ، وأنّها لم تؤمن بالأوثان والأصنام التي لوّثت جدران الكعبة التي أقامها القرشيّون يعبدونها من دون الله تعالى ، وقد اتّجهت بعواطفها نحو الله تعالى ليسهّل لها ولادة مولودها العظيم.
وما انتهت السيّدة فاطمة من دعائها حتّى انشقّ لها جدار البيت المعظّم فدخلت فيه وقلبها مطمئن بذكر الله تعالى وبعظمة وليدها الذي ستضيء الدنيا به.
مشرق النور
ولم تمكث السيّدة فاطمة في حرم البيت المعظّم إلّا زمناً قليلاً حتّى وضعت وليدها المبارك حجّة الله في أرضه الذي طوّق الدنيا بمواهبه وعبقرياته.
وليدها المبارك حجّة الله في أرضه الذي طوّق الدنيا بمواهبه وعبقرياته.
لقد ولد هذا العملاق العظيم في أقدس بيت من بيوت الله ليضيء رحابه ويرفع فيه شعلة التوحيد والإيمان.
لقد ولد أخو النبيّ المصطفى ، وباب مدينة علمه ، وناصر دينه ، وحامي رسالته.
لقد ولد أبو الغرباء ، وأخو الفقراء ، وملاذ المنكوبين ، وصديق المحرومين.
لقد ولد هذا الإمام العظيم الذي غيّر بكفاحه ونضال ابن عمّه مجرى التأريخ وأقاما كلمة العدل والحقّ في الأرض.
مع الشعراء
وانبرت كوكبة من الشعراء من قدامى ومحدّثين إلى نظم ولادة الإمام في بيت الله الحرام ، كان منهم :
١ ـ السيّد الحميري :
أمّا السيّد الحميري فهو من أعلام الفكر الشيعي الذي هام بحبّ أهل البيت عليهم السلام ونظم ببليغ نظمه مآثرهم ومناقبهم ، قال في ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة :
ولدته في حرم الإله وأمنه
والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثّياب كريمة
طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها
وبدت مع القمر المنير الأسعد
والسيّد الحميري قريب من عصر الإمام عليه السلام فقد نظم هذه المأثرة التي شاعت في عصره ، وقد حكت هذه الأبيات الثناء العاطر على أمّ الإمام وأنّها كريمة الأصل طاهرة الذيل ، وأنّها ولدت الإمام في ليلة لا نحس فيها.
٢ ـ بولس سلامة :
عرض الشاعر الملهم المسيحي بولس سلامة في ملحمته الرائعة في أهل البيت إلى ولادة الإمام في أعزّ بيت من بيوت الله تعالى ، قائلاً :
صبرت فاطم على الضّيم حتّى
لهث اللّيل لهثة المكدود
وإذا نجمة من الافق خفّت
تطعن اللّيل بالشّعاع الجديد
وتدانت من الحطيم وقرّت
وتدلّت تدلّي العنقود
تسكب الضّوء في الأثير دفيقا
فعلى الأرض وابل من سعود
واستفاق الحمام يسجع سجعا
فتهشّ الأركان للتّغريد
بسم المسجد الحرام حبورا
وتنادت حجاره للنّشيد
كان فجران : ذلك اليوم فجر
لنهار وآخر للوليد (٤)
٣ ـ منعم الفرطوسي :
أمّا شاعر أهل البيت العلّامة الزكي الشيخ عبد المنعم الفرطوسي فقد كان من أعلام الشعراء ، وقد وهب حياته وفكره للأئمّة الطاهرين ، وقد نظم في ملحمته الكثير من مناقبهم وفضائلهم ، وهي أهمّ موسوعة شعريّة في الأئمّة عليهم السلام ، قال فيما يخصّ ولادة الإمام بالبيت الحرام :
قبسات من الهداية شقّت
ظلمات العمى بصبح مضاء
ولواء التّوحيد رفّ فلفّت
عذبات الإلحاد والكبرياء
ويقين أهاب بالشّكّ حتّى
أذهب الرّيب من ضمير الرّياء
نفحات من الإمامة أوحت
بشذاها شمائل الأنبياء
حملتها أمانة ورعتها
حين أدّت ما عندها بوفاء
خير أمّ عذراء قدسا وطهرا
هي أسمى قدرا من العذراء
وضعتها في حيث أزكى مكان
فتجلّت كالدّرّة البيضاء
حين شقّ البيت الحرام جلالا
يوم ميلاد سيّد الأوصياء
فأقامت فيه ثلاثا بأمن
وثمار الجنان خير غذاء
وقريش في حيرة تتقرّى
غامض السّرّ في ضمير الخفاء
وإذا بالفضاء يزهو بهاء
من محيّا مبارك وضّاء
وعليّ كالبدر يشرق نورا
وهي بشر تضيء كالجوزاء
حملته كالذّكر بين يديها
حين وافت لسيّد البطحاء
فتجلّى والحقّ فجر مبين
دامغا كلّ باطل وافتراء
ويقيناً يمحو الظّنون وتمحو
آية النّور آية الظّلماء (٥)
تسمية امّه له
وبهرت السيّدة فاطمة بمنظر وليدها العظيم ، فقد رأت الفروسيّة بادية عليه ، والشجاعة ماثلة فيه ، ورأت سلامة جسده فسمّته حيدرة ، وهو من أسماء الأسد ، وكان الإمام كما سمّته امّه بالأسد ، فقد كان أسد الله وأسد رسوله ، وهو الذي حصد بسيفه رءوس شجعان العرب في سبيل الإسلام ، وكان عليه السلام يعتزّ بهذه التسمية ، وخاطب فارس العرب عمرو بن عبد ودّ حين نازله في ميدان الحرب فقال له :
« أنا الّذي سمّتني امّي حيدره
كليث غابات شديد قسوره »
ولم يلبث أن أطاح برأس عمرو ، وكان ذلك من الانتصارات الباهرة التي أحرزها الإسلام.
ويقول الشاعر الملهم بولس سلامة :
هالت الامّ صرخة جال فيها
بعض شيء من همهمات الاسود
دعت الشّبل حيدرا وتمنّت
وأكبّت على الرّجاء المديد
أسداً سمّت ابنها كأبيها
لبدة الجدّ اهديت للحفيد (٦)
تسمية أبي طالب له
أمّا أبوه شيخ البطحاء ومؤمن قريش فإنّه دخل الكعبة المقدّسة وناجى الله تعالى بإخلاص أن يلهمه تسمية وليده المبارك قائلاً :
يا ربّ هذا الغسـق الدّجى
والقمر المنبلج المضيّ
بيّن لنا من أمرك الخفيّ
ما ذا ترى في اسم ذا الصّبيّ
فألهمه الله تعالى أن يسمّيه عليّا ، فخرج من البيت الحرام وهو ينشد أمام قريش :
سمّيته بعليّ كي يدوم له
عزّ العلوّ وفخر العزّ أدومه
لقد كان هذا الاسم المبارك الذي سمّته به السماء من أحسن الأسماء وأجملها ، فقد كان الإمام عالياً في مواهبه وعبقريّاته ، وعالياً في إيمانه وسموّ أخلاقه ، وعالياً فيما وهبه الله من طاقات الفضل والأدب والكمال. يقول عبد الباقي العمري :
أنت العليّ الّذي فوق العلى رفعا
ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا
سمّتك امّك بنت اللّيث حيدرة
أكرم بلبوة ليث أنجبت سبعا (۷)
سنة ولادته
ولد أمير البيان ورائد العدالة الإسلاميّة الإمام عليه السلام في يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة (۸) وبالحساب الميلادي كانت ولادته سنة (٦٠٠ م) ، وقد ولد قبل البعثة النبويّة باثنتي عشرة سنة ، وقيل أقلّ من ذلك.
ألقابه
أمّا الألقاب التي تضفى على الشخص فإنّها تحكي صفاته ونزعاته. يقول الشاعر :
وقلّما أبصرت عيناك من رجل
إلّا ومعناه إن فكّرت في لقبه
وألقاب الإمام عليه السلام تشير إلى بعض محاسن صفاته ، وهي :
١ ـ الصدّيق :
لقّبه النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك (۹) ، وإنّما لقّب به لأنّه صدّق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وآمن بجميع ما جاء به من عند الله تعالى ، وقد أسلم قبل أن يسلم غيره ، قال عليه السلام :
« أنا الصّدّيق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم » (۱۰). وقد اشتهر هذا اللقب في عصره وعرف به. يقول الصحابي الكبير مالك الأشتر مخاطباً الإمام عليه السلام : « أنت الصدّيق الأكبر ». أجل والله إنّه الصدّيق الأكبر الذي لا يعارضه أحد من المسلمين في ذلك.
٢ ـ الوصي :
من الألقاب الكريمة التي عرف بها الإمام عليه السلام « الوصي » أيّ وصي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، وقد أضفاه عليه الرسول ، فقد منحه ذلك في كوكبة من الأحاديث كان منها :
ـ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ : « هذا وصيّي ، وموضع سرّي ، وخير من أترك بعدي » (۱۱).
ـ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ وصيّي ، وموضع سرّي ، وخير من أترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني ، عليّ بن أبي طالب » (۱۲).
ـ سأل سلمان الفارسي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال له : من وصيّك ؟ فقال له : « يا سلمان ، من كان وصيّ موسى ؟ » ، قال : يوشع بن نون ، قال : « فإنّ وصيّي ووارثي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، عليّ بن أبي طالب » (۱۳).
لقد شاع هذا اللقب للإمام بين العامّة والخاصّة ، واستمدّوا ذلك من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.